عرض المادة

الحلقة الثانية والعشرون | الابتلاء في الدنيا



الابتلاء في الدنيا

كم يفشل منّا من لا يهتدي بهدي القرآن ولا يستنير بنور القرآن ؟ , ‏تجده إذا أصيب بمصيبة تجزّع ونسي القضية وقال هذا و أنا أصلي وغيري لا يصلي وعنده من النعم ، وغيري لا يطيع الله ومتمتع بحياته ، هل هذا فهمك للقرآن ؟ ‏هل هذا الذي وصفه لك القرآن ؟ ‏لو كانت القضية بهذه الصورة والفهم ‏، كان فرعون عاش يزحف على وجهه بالأرض ‏و كان النبي عليه الصلاة والسلام يعيش ملكًا ، ‏وكان أبو جهل مكان بلال ، ‏وكان بلال مكان أبو لهب ، ‏وكان إبراهيم عليه السلام لم يُلقى في النار ‏بل من يلقي الناس في النار ، كيف يمتحنا الله ؟ ‏يجب أن نفكر بعقل ، ‏كيف يختبرك الله سبحانه وتعالى ! لابد أن ‏يمكن الله للباطل في البداية ‏ويجعل أهل الحق يصيبهم شيء من النقص ‏حتى يبتليك ، ‏أنت إذا أُعطِيت رضيت , وإذا ابتُليت كفرت ! ‏إذًا أنت لا تصلح أن تكون مؤمن بالأصل ، ‏لهذا الله سبحانه وتعالى يقول عندما تكلم عن الجنة ومن يستحقها ‏قال سبحانه وتعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) ‏نعم يخاطبني وإياك ، ‏أنت تريد الجنة أم تريد فقط أن تتمتع في الدنيا قليلاً ! (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم) ‏كل أمورهم تسير بشكل جيد تأكلون تشربون تسكنون بأمن وتتنعمون ، لا ! (مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ) ذاق الألم (وَالضَّرَّاءُ) ذاق الظلم (وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ) ‏يا الله إذا كان البلاء وصل حتى يقول الرسول ‏هذا الكلام فلا تسأل عن من دون الرسول ‏في إيمانهم (حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ) ‏متى تنتهي الآلام ‏ويزول هذا الظلم ويرتفع هذا الغم (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) سبحان الله , لأجل هذا حبيبي الغالي وأختي الغالية في نفس الوقت الذي كان يعاني فيه النبي عليه الصلاة والسلام كان يقهقه أبو جهل وأبو لهب ، يوضح لك كيف يبين المنافقين ! ‏هنا يظهر المنافقون (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) ‏هذه من حِكم البلاء ، ‏حكمة البلاء أنه يظهر الصادق من الكاذب ، لهذا (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ) المنافقين نظرتهم مختلفة عن المؤمنين ، ‏نفس الحدث والناس جميعًا في ظاهرهم مؤمنين ‏ويحبون الله والرسول وليس لديهم أي مشكلة ، ‏لكن متى يظهر الصدق من الكذب ‏إذا جاء هذا البلاء (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ) أنا وإياك من الناس (أَن يُتْرَكُوا) لن نترك (أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) ‏بما أننا قلنا آمنا والله سنُفتن ، ‏وسيأتيك أمر يظهر الله ما في قلبك ، هل الله سبحانه وتعالى في قلبك هو المدبر ‏هو سبحانه المعطي المانع النافع الضار الخافض الرافع المعين الميسر ، ‏أو تذهب تبحث لك عن ساحر وتكفر بدين الله ‏لأنه يمكن يساعدك ثم تذهب لجهنم ، فيجب أن يأتيك هذا البلاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا) ‏أي هو سيدبر أموره بنفسه ويعيش ويسبقنا للخيرات بالدنيا و سيذهب للجنة في الآخرة ! (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ) ‏الواثق بالله سبحانه وتعالى والله سيؤتيه الله ما ظنّ فيه ، ‏أنا عند ظني عبدي بي فليظن بي ما يشاء (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) ، ‏أهمس في أذن كل من ظن أن ‏إذا كانت فلانة تعصي والله سبحانه وتعالى معطيها ، ماذا أعطاها ؟ حرمها ‏ألذ و أعظم نعمة ، نعمة الإسلام ، ‏نعمة الطاعة ، نعمة الهداية، ‏جاء رجل عند موسى عليه السلام ‏وقال يا موسى أنت تقول أن الله يعطي ‏ويفتح على من يطيعه وأن الله ‏يضيق على من عصاه وهذا ‏أنا أعصي الله عز و جل ليلاً نهاراً , سراً و جهاراً ، ‏وانظر لي أعيش وآكل و ‏أضحك ، وقبل أن يرد عليه موسى ‏ ‏أوحى الله إلى موسى قال يا موسى ‏إني قد سلبته لذة مناجاتي ، حرمته أعظم نعمة ، ‏ومن حرم هذه النعمة حرم كل شيء (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ماهي هذه النعمة ؟ نعمة الهداية ، ‏فإذا غيرك حرم نعمة الهداية معناها إلى أين سيذهب ؟ ‏, مشكلتنا دائماً النظر ليس إلى نصف الموضوع بل عُشر ، ‏أنت تعيش هنا قليلاً ‏‏ستعيش تحت الأرض طويلاً ‏وستعيش يوم العرض 50000 سنة ‏وبعدها خلود ، عندما تحسب جزئية حياتك فوق الأرض ‏70 أو 100 سنة وكم ستجلس تحت الأرض ‏إلى أن تقوم الساعة ؟ لأجل هذا الله سبحانه وتعالى يقول (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ) إذا كنت مؤمن بهذا الكتاب (إِلَّا قَلِيلٌ) ‏احسبها هنا قليل ، ‏آلاف السنين تحت الأرض وآلاف السنين يوم العرض ‏وآلاف السنين بعد أن تتجاوز الصراط ، ‏فمشكلتنا نرى فلان يتعامل بالربا و سعيد في حياته يسافر و يفعل ما يحلو له ، ‏لكن ‏أين سيذهب في الآخرة! ‏كم سيعذب بهذه الأموال في ‏الآخرة ! ‏كم ستُقطع هذه الأشلاء في الآخرة ! هذا الرجل عنده ‏إذن بحرب من الله ورسوله فهذا الرجل أين ‏سيذهب ؟ الشيطان يجعلنا نركز فقط على جناح البعوضة هنا ، ‏لأجل هذا الله سبحانه تعالى لما قال عن هذا الكتاب (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ‏لذلك الله سبحانه وتعالى يقول حتى يبين لنا أن القضية لا تحسب بعين عوراء لا ترى ، وانظر إلى فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) والآن أين هو فرعون؟ (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) .

‏أحد الصحابة إذا جاء وقت الغدو في النهار بكى قالوا له لماذا؟ قال الآن يعرض آل فرعون على النار الآن تشوى وجوههم وإذا جاء وقت العشي بكى قالوا ما يبكيك؟ قال الآن يعرض آل فرعون على النار ، قال الله عز وجل (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) ، لماذا موسى لم يقل أنا الذي أعبد الله أتعذب وهذا الذي يكفر به يعيش بنعيم  ما هذه الحياة ! لا ، لأنه يعلم أن هذه حقيقة الاختبار ، أن يختبرك الله ، لهذا الله سبحانه وتعالى يفصل هذا ‏الكلام في كتابه قائلاً جل في علاه (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) ‏تريد كل شيء هنا وهي مقياسك التي ترضى فيه على الله أو تسخط فيه على الله! (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) منذ أن يصبح إلى أن يمسي يرضى للدنيا و يحزن للدنيا، كل حياته للدنيا (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ) وماذا بعد ؟ ما هو باقي المشهد (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) والله لو تقول لشخص تعال أُنَعِمَك ‏وأعطيك قصور الدنيا وسيارات الدنيا ونساء الدنيا ‏وأزياء وملابس الدنيا وبعد 66 سنة لي معك موعد ‏أحضرك عند زيت حامي وأغمس وجهك ‏في الزيت وأقوم بالعد إلى 10 فقط ، ‏والله العظيم لا يوافق ، ‏إذا أيقن أنك ستصنعها والله لا يوافق حتى لو 10 ثواني  ، من أجل هذا  ‏قال ‏عليه الصلاة والسلام "يؤتى بأنعم  الناس كان في الدنيا" ‏واحد ما اشتكى أو بكى أو ظُلم ، ‏كان يعيش في عز ونعيم ومال ‏ورفاهية "يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول اصبغوه فيها صبغة فيقول : يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ، قرة عين قط ؟ فيقول : لا وعزتك ما رأيت خيراً قط ، ولا قرة عين قط " بغمسة واحدة ! إلى الآن لم يسقى من الحميم ويأكل من الزقوم , يقول النبي عليه السلام: "لو أنَّ قطرةً منَ الزَّقُّومِ قُطِرتْ في دارِ الدنيا لأفسدتْ على أهلِ الدنيا معايِشَهم، فكيفَ بمنْ يكونُ طعامُهُ" و قال : "ويؤتى بأشدِّ النَّاسِ كانَ بلاءً وضُرًّا وجَهدًا فيقولُ اصبُغوهُ صبغةً في الجنَّةِ فيصبغُ فيها " لم يتنعم في قصورها و حورها غمسة واحدة فقط " ثمَّ يؤتى بِهِ فيقولُ يابنَ آدمَ هل رأيتَ بؤسًا قطُّ أو شيئًا تَكرَهُهُ فيقولُ: لا وعزَّتِكَ ما رأيتُ شيئًا أَكرَهُهُ" سبحان الله بغمسة فكيف إذا خُلّد مع الخالدين في جنات النعيم .


 

 

  • الاربعاء PM 08:16
    2017-06-07
  • 2450
Powered by: GateGold