عرض المادة

الحلقة السابعة عشر | إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

 (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)

عشنا مع نور هذا القرآن العظيم في كيف نتخلص من الأزمات ، لا تحتاج القضية إلى دورات ولا تحتاج إلى كتب نقرأها ، هي القضية أعظم كتاب فيه المخرج فيه حلول لكل المشاكل , وهذا هو القرآن يعطيك القضية في آية أو آيتين ثم يعطيك مثال واقعي إما من نبي ، إما من أحد الصالحين ، إما من إحدى الصالحات ، المهم أنك تجد التصريف وتجد واقع عملي ، وقفنا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ثم رأينا كيف إذا كان الله مع الصابر ينقل موت الشهيد إلى حياة ! سبحان الله ، ثم وقفنا مع قول الله ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم ) وذكرنا خمس أنواع من البلاءات : جوع ، خوف ، نقص من أنفس ، من أموال ، من ثمرات ، ثم قلنا أن هذه القضايا إذا هجمت على أي شخص من الأشخاص ثم كانت ردة فعله على حسب الترتيب الذي جاء في القرآن ( أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ) رضا من الله وصبر وتسليم و استعانة بالله ، تقلب الأمور كلها من تعاسة إلى فرح ، من جوع إلى شبع ، من فقر إلى غِنى ،  ثم ذكرنا الصفا والمروة وذكرنا كيف أن الله قلب أمر هاجر لما آمنت بالله , أصابتها المصائب كلها :  خوف، جوع، نقص أموال ، أنفس ، ثمرات ، التجأت إلى الله قالت : إذاً لن يضيعنا ، ما أخذت تولول ، ولا تشكو لبشر ، بثّت شكواها كلها لله جل جلاله ، فقلب الله هذا المكان ، خوف ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ) كان الوادي أخوف مكان في الأرض ثم انقلب إلى أأمن مكان ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) حتى الحمام تأمن فيه ، تطير الحمام وتفزع منك وتخاف في أي مكان إلا في مكة لا تخاف منك . وكل ما اقتربت من الحرم ، كل ما ازداد أمنها ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) ؟ بلى ، إذاً قلب الله الخوف إلى أمن . (وَالْجُوعِ ) ! لا أحد يجوع في مكة . تخطئ الآن في أي ركن أو أي واجب من واجبات الحج والعمرة يقال لك : أطعم أهل مكة ، أطعم أهل مكة ، وذبائح لأهل مكة ، ودم لأهل مكة ويطعمون ، فبدّل الله  الخوف ..أمن ، والجوع ..شبع . ( وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ ) أغلى متر الآن أن تملك عقار في مكة ( وَالْأَنفُسِ ) أكثر مكان يزوره العالم هو مكة ، ما هذا ! سبحانك يا رب تقلب الأمور بهذه الطريقة ! نعم . ( وَالثَّمَرَاتِ ) يأتي ثمرات الصيف في الشتاء في مكة ، وثمرات الشتاء تجدها في الصيف في مكة ! شيء عجيب ، هكذا إذا كان الله معك .

لكن هل تُحقق الشرط ؟ خذ الوعد ، القرآن كله شروط ووعود ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) ،(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) عليك الأولى وانسى قضية الثانية فهي في يد من لا يخلف الميعاد سبحانه وتعالى . لأجل هذا كانت قضية الصبر قضية عظيمة ، الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه فصبر ، فأعطاه الله عز وجل ميزان غير كل الموازين ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .

يقول محمد بن عبدالله "أحد رجالات السلف" خرج مع أمير من الأمراء في رحلة صيد ، يقول بينما نحن نصيد ، وبينما نحن في غاية المتعة حصلت لي حاجة فذهبت لقضائها ، ذهب يبحث عن مكان مغطى في الخلاء حتى يقضي حاجته ، قال  فأتيت إلى خَرِبة ، يعني مكان عشّة ،  مكان بيت خرِب من خشب . قال فنظرت ، يعني من يعيش في هذا المكان ؟! ، قال  فنظرت في هذا المكان فوجدت رجلا ً يقول : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، يقول فنظرت ! رجل مُقعد ، أعمى ، أبرص ، مجذوم ، في حال لا يعلمه إلا الله ! فزِعت ظننته من الجن ، ما هذا الإنسان الذي يعيش في هذا المكان ؟! ، يقول سمعته يردد : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، يقول قلت له : أنت ، يقول فلم يرد عليّ .. الحمد لله ، فقلت : أنت ، يقول فبدأت أرفع صوتي حتى سكت ثم قال : من ؟ ، فقلت له : أنت من أنت ؟ ، فقال : أنا فلان ، أنت من ؟ ، فقلت له : تعال سمعتك تقول الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ! أراك أعمى حتى السمع ثقيل ومجذوم ومقعد وأبرص علامَ فضّلك ؟ ، يعني أنت أحسن مِمن ؟! ، يقول فقال لي : سبحان الله ! ألست أشهد أن لا إله إلا الله ؟ ، قال : نعم ، قال : كم في الوجود من يشرك بالله سبحانه وتعالى ؟ ، قال : كثير ، قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير . قال : ألست أسجد لله عز وجل ؟ ، قال : بلى ، قال : كم في الوجود من يسجد لبقر وحجر وشجر ؟ ، قال : كثير  ، قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير  ، قال : ألست أسمع ؟، قال : بلى ، قال : كم في الوجود مِن أصم ؟، قال : كثير ، قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير ، قال : ألست أتكلم ؟، قال : بلى ، قال : كم في الوجود من أبكم و بُكم ؟ قال : كثير ، قال : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، قال : ألست أذكر الله في الصباح وفي العشي والإبكار ؟ ، قال : بلى ، قال : كم في الوجود من غافل تمر عليه الساعات ولا يذكر فيها من خلقه وشقّ سمعه وبصره ؟ ، قال : كثير ، قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير ، يقول فقلت : سبحان الله والله إنك خير مني ، قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير ، يقول فقلت له : ألك مِن حاجة ؟ " تريد أن نحضر لك وجبة ، نحضر لك طعام ..شراب ، قال : لا ، ولكن لي ولد هو من تركه الله لي سبحانه " ليس عندي بعد الله إلا هذا الولد " ذهب قبل البارحة ولم يرجع لي فإن أردت أن تطلبه لي " انظر أين ذهب " ، قال فخرجت أبحث لا أدري أذهب يمنة أو يسرة أو شمال أو أمام لا يدري ، يقول فهُمت على وجهي فوجدت تل ، يقول فوجدت الطيور حوله فما إن تعديت ذاك التل إلا وجدت نصف شاب "شاب أكلته السباع " ، يقول أكلته السباع والباقي الطيور تنهش في جسده ، يقول مستحيل أرجع وأقول له الولد الذي بقي لك في هذه الدنيا مات ، يقول فرجعت وهممت أن أذهب إلى قومي وأترك الرجل ، يقول ثم قلت في نفسي أهذا من الدين ! تترك الرجل الذي يخدمه مات ! ماذا تفعل الآن ؟ تتركه يموت ! ، يقول فاستعنت وتحملت على نفسي ثم حملتها عنوةً وذهبت إلى الرجل وتذكرت الأنبياء من قبله كيف ابتلوا ؟ قلت سأقول له الآن عن الأنبياء ، يقول فدخلت وهو على حاله يقول : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، يقول فقلت : أنت ، قال : نعم ، قال : أنت خير أم نوح ؟ ، قال : سبحان الله ! نوح عليه السلام ، قال : إنه قد فَقدَ ولده على الكفر ، أأنت خير أم إبراهيم ؟ ، قال : سبحان الله ! إبراهيم عليه السلام ، قال فقلت : ما داموا خيراً منك وابتلاهم الله عز وجل بأقرب الناس إليهم فأحتسب أمرك عند الله فإني قد وجدت ولدك قد أكلته السباع ، يقول فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وأخذ يكتم عبراته ويقول : الحمد لله .. إنّا لله ، يقول ثم شهق شهقةً فمات ، يقول ولما مات أخذته أقبله وأَلُمهُ وأحتضنه ثم دعوت قومي فغسلناه وكفّناه ولما جئنا نُصلي عليه مرّ بنا ركبٌ من الناس فأول ما رأوا الرجل انكبوا عليه يقبِّلونه ويلثمونه ، يقول فقلت : من هذا ؟ يقول أحسب أنه مقطوع جالس ، قالوا : هذا من يروي حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هذا أبو قلابة يروي عنه البخاري وغيره ، يقول فقلت : سبحان الله ، والله ما كان هذا ليكون إلا لمعرفته بدين الله عز وجل ، يقول فلم أنسى ذاك الموقف صلينا عليه ودفناه ، يقول فلما مرت جمعة وأنا أفكر بالرجل ، يقول رأيته في منامي كأحسن ما يكون من الصورة ، على صورة لم أرى مثلها قط في حياتي ، رأيت ذاك البرص قد انقلب بياضاً ناصعاً ولونا عجيباً غريبًا ، ورأيته واقفاً بعد أن كان مُقعداً ، ورأيت تلك العينان اللتين تأخذان بالألباب ، يقول ورأيت شكل عجيب ، يقول فقلت له : من أنت ؟ ، قال : أنا أبو قلابة ، قلت : ما الذي صيّرك إلى ما أرى ؟ أما كنت مجذوم وكنت معاق وكنت أبرص وأعمى ؟!، قال :  نعم ، سمعت قول الله ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ، سمعت قول الله سبحانه وتعالى ( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) .

 ما معنى ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أي يأتي سبحانه وتعالى بأهل البلاء الذين عاثت بأجسادهم الأمراض , ومضى فيهم الفقر والجوع والخوف ، بعد هذا كله يُؤتى بهم يوم القيامة فيحاسبون الحسنة بعشر والسيئة بمثلها ثم فجأة تنتهي الأعمال فيثقل الموازين وتُصب فيها صباً ، فيقولون : يا ربِّ هذه الأعمال ما عمِلناها ! ، فيُقال هذه أجر الصبر فُتحت لكم الموازين بغير حساب ، فيأتي أهل الصحة الذي لم يكونوا يعانون مشاكل لا مرض ولا تعب ولا خوف فيأتون يقولون : يا ربِّ هذه أجسادنا لم يأتها سرطان ، ولم يأتها بلاء ولا جذري ولا جُذام ولا برص ، يا رب قطعنا بالمناشير ، انشرنا بالمناشير وقرّضنا بالمقاريض ، فتت هذه العظام واجعل لنا مثل ما لهم فيقول الله سبحانه وتعالى : لا ،  أَمَا أني ما ابتليتهم إلا لأعافيهم ، وما أخذت منهم إلا لأعطيهم . اللهم اجعلنا يا رب من الصابرين ، اللهم اجعلنا يا رب عندك من الصادقين ، اللهم اجعلنا ممن إذا أصابتهم مصيبة قالوا ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ثم كتبت لهم صلوات منك ورحمة ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .

 

  • الاربعاء PM 08:11
    2017-06-07
  • 2733
Powered by: GateGold